يقول ابو هريرة رضي الله عنه:
«لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، «لله ما في السموات والارض وان تبدوا ما في انفسكم او تخفوه يحاسبكم به الله»..
شق ذلك على اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم جثوا على الركب، فقالوا: يا رسول الله كلفنا من الاعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد انزل الله عليك هذه الآية ولا نطيقها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتريدون ان تقولوا كما قال اهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا، بل قولوا «سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير». فلما قرأها القوم وذلت بها السنتهم انزل الله في اثرها «آمن الرسول بما انزل اليه من ربه» الآية. فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل «لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت».. الآية. رواه مسلم.
وفي الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:
ان الله غفر لهذه الامة ما حدثت به انفسها ما لم تتكلم او تعمل. ولكن قد يحاسب الانسان على ما في النفس، كالرياء وظن السوء بالله تعالى، وبعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. والمحاسبة اعم من المعاقبة. والاصل ان الانسان لا يعاقب على ما تحدثت به نفسه دون كلام او عمل ما دام هماً مجرداً، لكن اذا تجاوز مرحلة همّ الخطرات بحيث اقترن مع هذا الهم ما يستطيعه الانسان من قول وعمل حتى ولو لم يصل الى ارتكاب المعصية او كان الحائل بينه وبين فعل المعصية هو عجزه عنها او نحو ذلك فهذا مما يحاسب عليه الانسان.
وقد جاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم:
اذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قالوا: هذا القاتل فما بال المقتول، قال: انه كان حريصا على قتله صاحبه. فهذا الانسان مع انه لم يقتل ولكن لما همّ بالقتل - همّ اصرار - وفعل ما يستطع في سبيله، ولكن حال بينه وبين قتل اخيه المسلم عجزه عن ذلك كان آثما مستحقا للعقوبة، وقد قال الامام احمد: الهمّ همّان، همّ خطرات، وهمّ اصرار. فهم الخطرات هو الذي يعرض ثم يذهب، ويدافعه صاحبه، فلا يأثم في ذلك ربما كان مأجورا لانه مجاهد لنفسه، ترك السيئة ابتغاء وجه الله، وهمّ الاصرار هو الذي يكون معه ما يستطيع الانسان من الاقوال والاعمال حتى ولو عجز عن فعل المعصية فهذا آثم مستحق للعقوبة. ومن هم بسيئة ثم تركها خوفا من الله وطلبا لمرضاته فإنها تكتب له حسنة.