كن انت نفسك



الحياة هنا رتيبة لكنها هادئة جميلة , يركض صاحبنا فيها كما يفعل في غرفته محاولاً ممارسة الرياضة اليومية.. وفي الأفق القريب يبدو أن المستقبل على عجلة من أمره
يؤكد العالم الجليل سلمان بن فهد العودة على طريقة تفكير الانسان لذاته هي محور معرفته بالحياة واساس للنجاح .
الأحلام خفتت، ومَلَك الرؤيا لم يعد يمرّ على الغرفات إلا لِماماً، فالمشاهد الملتقطة معبّرة وسريعة ومكتظّة!
الواقع كافٍ للحديث ؛ فالأيام تبدو سراعاً لاهثة حين يعيش المرء ماكان يريد .. وتبدو بطيئة كليلة حين ينتظره .
الأخبار تباطأت كأنها تتمنع، وكأن تطاول الأيام الماضية كان كافياً ليثبت ضعف قيمتها الواقعية وهشاشة مضمونها.
النازلون غادروا إلا قليلاً.
بعدد أصابع اليد الواحدة كانت الحجرات المسكونة في الجناح، وقد استقلّ كلّ نزيل بغرفة من تلك الزنزانات الواسعة المعدة في الأصل لعشرة في الحالات العادية.
غرفة متوسطة الموقع خُصصت لتكون مصلى للجماعة.
الخمسة يخرجون للشمس متى شاءوا فرادى أو مجموعات، وينتظمون في برامج علمية أو تعبّدية، قراءة القرآن وتسميعه ومراجعته، حفظ الأحاديث، مراجعات ، مباحثات ميدانية وفكرية، تحليل للمجريات وتعليق على الأحداث.
حادثة ضرب مصنع الشفاء في السودان، ضربات أمريكية على بغداد في مواقع مختارة تستدر دموعه فيهتف:
لم يبق من يبكيك يا بغداد       إلا القبور وهذه الأعواد
حيرة قاتلة بين حكم محليّ فاسد,  وغزو خارجي حاقد!
الضربات على الصرب وحماية كوسوفا تهدّئ اللوعة مهما تكن دوافعها..
أوضاع داخلية؛ منها توزير الشاب العالم الذكي الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ في الشؤون الإسلامية في طرفة لها دلالتها.
دخل صاحبنا على زميله ورفيق دربه وصفي قلبه أبي بدر, وقال له ضاحكاً:
-تمّ توزير فلان!
-عجيب! وقد أُعلن؟
-كلا , ولكنه سيُعلَن!
-كيف عرفت؟
-كانوا في حفل، وقد تمّ النّطق من قِبَل مسؤول كبير باسم الوزير المحتمل رباعياً, بينما طوى سلفه , واقتصر فيه على اسمه واسم عائلته، وهي إشارة لها معناها!
-الله يكتب الخير.
الصلوات الخمس تجمعهم، والموعد دقيق؛ فأبو بدر لا يقبل المساومة على المواعيد ولو بدقيقة!
ذات مرة كان سعيد ينتظر ليقيم الصلاة، ونظر في ساعته, فوجد أن الإمام تأخر لدقيقة، كان مسروراً بأن يتخلف الشخص الذي طالما امتحننا في مسألة المواعيد، سارع بإقامة الصلاة وأمَّ المصلين.
بعد السلام ؛ تساءل أبو بدر عن السبب، فأُجيب بأنك تأخرت دقيقة، وبعد المقارنة تبين أن ساعة سعيد تقدمت دقيقة, وأن أبا بدر جاء في موعده؛ فقال سعيد:
-لا أماريك بعدها أبداً.
لكل وقت إمام خروجاً من التدافع والتواضع، وصار أبو بدر يسمى "إمام العصر".
ذات مساء خرجتُ من زاويتي إلى المصلى وقت الإقامة، وشاهدت إمام العصر يخرج من غرفته صوب المسجد، فقلت للمؤذن:
-أقم الصلاة!
-لن أقيم حتى يحضر الإمام، لن أقيم حتى تأتي "الساعة"!
-أقم، فإن لم تر الساعة، فأنا من أشراطها!
شعبان (1419هـ) الشهر القصير كما تسميه العرب، لعلهم كانوا يرونه كذلك بالنظر إلى شهر الصيام والصبر بعده، أما هنا فهو الطويل، فالجماعة اعتادوا على هدءات الأسحار، واسترواح التعبّد، وسجدات التهجد، والختمات المتتابعة دون تكدير ومشاغلة. الزيارات تتوقف أو تكاد، والوقت صافٍ بلا مشارك, والخلوة مستديمة.
حدث مفاجئ جاء على غير توقع ودون انتظار في أواخر الشهر، وأشد ما يكون الليل ظلمة هو مطلع الفجر!
دعوة الجميع إلى غرف التحقيق، واللقاء بالوجوه القديمة التي انقطعت منذ حين!
-تفضّل واقرأ هذا الخطاب!
يقرأ كلمات من مصدر القرار؛ تطلب إليه أن يكتب بحرية مطلقة, ويقول ما لديه، دون خوف من مساءلة حاضرة أو مستقبلة، وأنه سيتم إيصال المكتوب مباشرة.
مبادرة إيجابية معبرة.
هتف في داخله دون تردد. هذا بشير الفَرَج!
الأبيات التي يستشهد بها في محاضراته؛ ظهرت أمامه, وكأنما كتبت في لوح:
وَلَرُبَّ نازِلَةٍ يَضيقُ لَها الفَتى            ذَرعاً وَعِندَ اللَهِ مِنها المَخرَجُ
ضاقَت فَلَمّا استَحكَمَت حَلقاتُها     فُرِجَت وَكُنتُ أَظُنُّها لا تُفرَجُ
أحد الخمسة كتب لتوّه شارحاً ظروفه ورحل.
والآخر كتب لتوّه أن لا جديد لديه، وما يريد أن يقوله فهو موجود في المحاضر والدفاتر، ولم يلتفت للمبادرة.
الثلاثة اتفقوا دون تنسيق على الاستمهال، وحصلوا على المزيد من الوقت للتفكير.
للمرة الأولى يحصلون على الأقلام رسمياً، والأوراق، ويُمنَحون بضعة أيام للتفكير والرد.
لقاءات متكررة، وحوارات جماعية، وثنائية، وتساؤلات، وتوقعات.
استعانة بالزوّار من الأهل والأصحاب في تسديد الرأي والمشورة والوصول إلى القرار المناسب.
صلوات واستخارة, ودعاء وتضرع..
يكتب كل فرد ما يناسبه بعد الاتفاق على الإطار العام، ويتم تسليم الخطابات في شهر رمضان.
أشار هو إلى مبدأ السمع والطاعة بالمعروف, وثنّى بالأمن وأهميته وضرورته للفرد والجماعة.
وأكد على مبدأ نبذ العنف, الذي كان ولا يزال يؤكد عليه ويدعو إليه، وضمّن حديثه أهمية الدعوة , ونشر الفكر الصحيح , والتطلع إلى تمكينه من أداء هذا الدور, والقيام به على أكمل وجه , والمشاركة في التأثير على الشباب بالدرس والمحاضرة والخطبة والندوة وغيرها.
أيام ويأتي خطاب جوابي؛ يعاتب على هذا الطلب الذي لم يتعين عليكم، ويوجد من يقوم به من طلبة العلم، وأنكم وإن كنتم من طلبة العلم الذين تتلمذوا على مشايخ هذه البلاد، فإن ما لديكم من العلم الشرعي والفقهي مما يضاعف مسؤوليتكم تجاه الأخطاء الصادرة منكم، مع الإشارة إلى عدم اتّهام النيات، ولكن المؤاخذة تكون على الفعل، وليس على المقصد فحسب.
لابد إذاً من لغة أكثر وضوحاً ؛ تعبر عن الالتزام بالتوقّف عن المناشط الفكرية والعلمية العامة, إلا بعد الإذن والموافقة.
ولابد من حديث عن الأخطاء والرجوع عنها , سواءً كانت قولية أو فعلية وهكذا كان.
قيَّد بوضوح العديد مما أُخذ عليه ؛كتجاوز حدود الوعظ والإرشاد في الدروس والمحاضرات إلى موضوعات خارجة عن هذا الإطار، والمشاركة في بعض التجمعات العامة غير المرخصة من الجهات المختصة.

Sharing Widget bychamelcool